ديناميكية الخوف في الحضارات الإنسانية*
يمتلك الإنسان السوي كامل المشاعر الإيجابية منها والسلبية. وأكثر المشاعر جاذبة للتأمل هو الشعور بالخوف الناتج من قصصِ حضَارَتِه. حيث إن هذا الشعور صاحب كافة الحضارات الإنسانية. فلكل أمة من الأمم قصص أسطورية جعلوا منها بابا للوعيد والردع.
غالبا ما تكون الشخصية المخيفة من غير الجنس البشري، وتتميز برسم جسدي يعبر عن الصورة النمطية في ذهن الإنسان. وقد يستندون في تخيل هذه الشخصية على مراجع تراثية أو "لاهوتية" تصفها وصفا دقيقا. ولكن الذي يلفت الانتباه هو أن البشر منذ تاريخهم الأول وإلى الآن كانت الشخصية المخيفة في أذهانهم خارج الجنس البشري. أي أن الإنسان متصالح مع ذاته ويعرف مدى قوته وتأثيره. فلا يشكل هاجسا يستمر مع مسيرة تاريخ حقبته. ولا يمكن أن يمتلك طاقات وصفات تؤهله لأن يكون شخصية أسطورية مخيفة باعثة للتراجيديا.
والسؤال هو لماذا يخاف البشر من هذه الشخصيات رغم أنه لا يوجد لها تأثير ملموس على الحياة؟ ولماذا يتوارث البشر هذه الشخصية وتظل تشكل حربا نفسية وكأنها شُكِّلت لتكون شخصية ردعية ضبطية؟ حتى على مستوى عقليتنا الحديثة والبسيطة. كانت الأمهات يحكين لنا قصصا عن شخصيات مخيفة ذات أوصاف لم تُوجد من قبل. أذكر في صغري كسرت هذه الحواجز. وذهبت إلى البئر وصرخت على "عبد البئر" وأعلنت التمرد وقلت: "أمي حكت لي عنك بأنك تبتلع بيديك كل الصغار الذين يأتون إليك، وأن لك يدين تخطف ما تشاء كسرعة البرق.. فأين أنت لا تظهر لي". لم يجب أحد سوى حمامة بيضاء خرجت من البئر ترفرف بجناحيها وكأنها كانت في سكينة قبل صراخي!.
هذه إحدى النماذج البسيطة التي لازمتنا في حياتنا واستشعرناها. وعلى المستوى العالمي لكيفية تفاعل الإنسان مع الخوف بناء على ثقافته. في عصرنا الحديث استطاع الإنسان أن يترجم هذا الخوف عبر الإعلام المرئي. فتجد أن كاتب السيناريو والمخرج جعلا جسدا طيفيا لهذه الشخصية المخيفة، تظهر فجأة وتختفي فجأة مع عدة تأثيرات صوتية ولونية. ولم تختلف الشخصية المخيفة في الأساطير عن الشخصية المخيفة في الأفلام، إلا أن الشخصية في الأفلام كان لها تأثير محسوس، مع استمرار اتفاقهما على أن الشخصية المخيفة ليست آدمية أبدا ولن تكون كذلك.
يمكن أن نخرج مما سبق بمفهوم ينص على أن الإنسان لا يخاف إلا من الوهم المترسب في ذهنه. والذي اكتسبه من خلال تراثه أو ثقافته المحملة بالأساطير. والجدير بالذكر أن الحضارة الإسلامية لا تجد في ثقافتها الشخصيات الأسطورية المخيفة، مما يشجع الإنسان المسلم على ألا يخاف في هذه الدنيا، بل يمشي في مناكب الأرض مطمئنا لمواكبة التطورات الحديثة. حاثة البشرية على التفكير العقلاني وفتح آفاق ليتحرك الإنسان كيفما يشاء بجسده وبعقله.
___________
نُشر هذا المقال بصحيفة أنباء الباحة و بجريدة المدينة 06/12/2016 , و بجريدة الوطن 2016-12-07
تعليقات
إرسال تعليق