لنتبادل الأسئلة!

    لا شك أن أول باب للمعرفة هو السؤال و البحث عن الجواب  مكسب للمعرفة . و السائل المكثر من الأسئلة لديه نهم لمعرفة الجواب لمطابقته مع توقعاته و فرضياته . و هذا نهج العلماء و المفكرين . فكل نظرية علمية سبقها فلسفة و كل فلسفة سبقتها أسئلة و توقعات.
تمر المعرفة بسلسلة من التحاليل الذهنية تبتدئ بالتأمل ثم التسائل و البحث عن التفسيرات  و إيجاد فرضيات ثم تكون التجربة حكما و فيصلا فتكون النتيجة هي الشكل النهائي للمعلومة لتكوّن نظرية.

    عُقدة التساؤل كانت شرارة الأحداث  و تحديد مصير, فمثلا قصة إبليس حين عصى الله عندما أُمِر بالسجود لأبينا آدم فتساءل باحتقار: "أأسجد لمنت خلقت طينا؟"فكان مصيره الطرد من رحمة الله. و قصة إبراهيم الخليل حين تأمل الكون و قارن عظمة خلقه بقدْر أصنام قومه عرف أن الأصنام لا يمكن أن تخلق هذا الكون و الكم الهائل من التنوع. يسرد القرآن الكريم هذه الحادثة: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ(76فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79). ظل يطبق نظرية الإله بأنه لا يأفل و لا يغيب فحين شذت هذه المخلوقات-الكوكب ,الشمس والقمر- عن القاعدة تركها و آمن بوجود إله لا يأفل ولا يغيب. 

        الإنسان منذ الصغر تلازمه عقدة التساؤل ,فالطفل الذي يتميز بكثرة الأسئلة يُتَوقع منه أن يكون مبدعا وبارعا في هذه الحياة المليئة بالأسئلة ؛ لأن الحياة لا تكف عن بث الأسئلة و الإنسان لا يكف عن البحث عن الجواب.

     حين نكثر من السؤال نكثر من الإبداع , و عِظم السؤال من عِظم الجواب . و كم من إجابات عظيمة في أنفسنا تنتظر السؤال. لذلك لنجتهد في استخراج الأجوبة المحبوسة في داخلنا بالأسئلة . لنطلع على آراء الآخرين و انطباعاتهم , دعونا نتبادل الأسئلة و نخرج الإبداع و نخرج فلسفتنا الجميلة عن الحياة. 
    الأدباء و الروائيون أكثر  من يعناني من هذا الشح في طرح الأسئلة, فلا سبيل لإخراج جوابه إلا بسؤال نفسه و نسبه ل"سألني أحدهم فأجبت" أو ما شابه من هذا التكنيك الأدبي. فلا تتوقع أن نزار قباني سُئل عن تاريخ ميلاده, قد يكون اختلق السؤال ليجيب بكل احترافية عالية الرومانسية:
ما زلت تسألني عن عيد ميلادي 
سجل لديك إذن .. ما أنت تجهله 
تاريخ حبك لي .. تاريخ ميلادي 

السؤال هو دلو ندلي به في فؤاد المخاطَب لِنتذوقَ جماليات التفكير عند الآخرين. فالسؤال هو بداية الحوار , و أول النزال , و مُبتدأ الخطاب  و زوج الجواب.
  يقول حافظ ابراهيم : أنا البحر في أحشائه الدر كامن***فهل ساءلو الغواص عن صدفاتي 
aaaz1996@

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءات في "باي باي لندن" لـغازي القصيبي

التفاحة الفاسدة*

شمس الموتى