يا زير يا زير يا زرقواني*

       
       هيبة القبيلة و واجهتها في الماضي كانت مركوزة على جمادات و عادات وأعراف . هذا المزج بين الركز الحسي و الركز المعنوي خلق تناغما في حياة الجماعة في القرية. فأدوات العمل كانت تشكل طابع يخص القبيلة و يميزها عن بقية القرى. و "الزير" يتصدر قائمة أدوات القبيلة الخاصة بها . حيث أنه كان وسيلة للتحفيز على الجد والعمل و كان معينا على بلوغ النشوة في أوقات هزل القرية, كما أنه كان وسيلة إعلامية هامة حيث لكل نبأ إيقاع خاص يميز فيها المستمع غاية النداء و الحدث .

      و هناك الكثير من الشواهد التي كان الزير فيها قائدا روحيا للقروية , و مهيض لقرية الشعار, و من الزير العتيق تتولد القصائد الملحمية الخالدة في إيطار البدع والرد. ولا يخلو موقف مشهود من قصيدة عفوية تُلقى فيزفها الزير و يمضي القروية على أنغامه حتى يصلو لمبتغاهم أو ينجزو مهماتهم .


       في مواسم الحصاد , ينشد الحاصدون بشقهم الأيمن على الأرض : يا زير يا زير يا زرقواني ,, وأنت الذي خذت عقلي عليه , فيرد الشق الآخر : من برحرح وسد الحوية من برحرح و سد الحوية . حتى ينهو حصاد الأرض. في تشريح هذه الأهازيج يتبين لنا أن ذكر الزير يدل على أهميته و مدى شغف القرويين بهذه الآلة الطبلية .
أما شواهد الزير في الأحداث فكثيرة و أورد لكم من أعجبها : أن جماعة القرية مضوا لنجدة جدي-خال أمي- حيث انقلبت مركبته في جلة الوادي و في مقدمتهم الزير يحثهم على العون .


         في عصرنا الحديث فقدت القبيلة بعضا من خصائصها السلوكية و بقيت خصائصها المحسوسة كالزير و هذا من محاسن التنوع في مصادر الخصائص القبلية . فاقتصر الزير على الحفلات و ميادين العرضة . و لم يُعد آداة محفزة على العمل و البذل أو الإعلام .

         أجدادنا كانوا منتظمين حين كان يقودهم الزير للوصول لغاياتهم , لك أن تتأمل مدى شغفهم و طربهم للزير , لقد استعانوا به لنكت نصب الحياة من أكتافهم. و نثر اوجاعهم مع تساقط عرق جبينهم.


 ___________

*أنباء الباحة 7-اكتوبر-2017

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءات في "باي باي لندن" لـغازي القصيبي

شمس الموتى

التفاحة الفاسدة*