ورد



"ورد"*
لدى "أبو ورد" مشتل كبير فيه أنواع الورود المختلفة في اللون و الرائحة,كان يهتم بمشتله و يرعاه و كان يُوكل ابنه ورد لبيع باقات الورود و شتلاتها في محل بوسط السوق.
ذات صباح و كالمعتاد ذهب ورد إلى مشتله برفقة والده ليجمعا الورد و يزينانه و يرتبانه في باقات ليبيعها ورد في محلهم,و يبقى والده في المشتل ليسقي ما فيه من ورود ويقلم أغصانَها ..
و في  يومِ من الأيام أخذ ورد الباقات و الشتلات ليبيعها في السوق على متن عربة متواضعة ,وصل للمحل, رتب بضاعته بشكل جيد, وينتظر الزبائن ليشتروا منه, كالمعتاد لن يدخل المحل إلا من أراد أن يشتري وردا يهديه لمن يسكن قلبه أو أقل قليل يلقي نظرة و يخرج, إلا أنه  حصل له موقف غريب في ذاك اليوم الغائم الماطر.
دخلت فتاة المحل ,ألقت نظرةَ في باقةِِ أمام ورد,ثم نظرت عيني ورد نظرةً خاطفةً,ثم رحلت. ورد طأطأ رأسَه خجلا.. لا يعلم ما هو سبب الخجل!؟ أراد أن يرحب بها كأن عينيها حادثته بكلمات كثيرة في بضع ثواني!!
أمضى يومه وهو يفكر في تلك النظرات,حتى غابت الشمس و أدعجت السماء و انتهى عمله, وهو يفكر فيها في مسيره للبيت و قُبيل النوم.لاحظ أبو ورد شيء غريب يعتري ابنه,شك أن يكون ابنه قد تذكر أيام أمه التي توفيت قبل ثمان سنوات جراء لدغة أفعى وهي تقلم أغصان الورد فقال أبو ورد:
-يا بني لا تحزن كلنا على هذا الطريق .يا ابني تذكر:( لا تجعل الحزن يتغلب عليك كن قويا كجدك الشهيد!)..
ورد لا يريد أن يخبر أباه بما حصل له صبيحة اليوم فاكتفى بالرد على والده بكل لطف
-حسبنا الله ونعم الوكيل..ربي أجعلني أراها و التقي بها!!
-سنجتمع ثانية يا بني في الجنان..

في اليوم التالي أصر ورد إن لقيها أن يحادثها و يخبرها عن سر تصرفها بالأمس.ظل ينتظر و لكن دون جدوى..مضت سبع أيام  قل تفكيره بها . و في اليوم السابع  و عندما اقترب الغسق وأقفل باب محله معطيا الشارع ظهره..و إذ بصوت خفيف.. التفت بسرعة لعلها هي..لا لم تكُ هي..كانت امرأة صماء تريد شراء باقة ورد....انكسر أمله..
بعد أن باع للامرأة الصماء باقة من الورد أقفل المحل و مضى في طريقه فصادف محلا لبيع الآلات الموسيقية..فراودته رغبة بشراء ناي,فاشترى الناي و خرج من المحل ليواصل المسير إلى المنزل وهو ينظر بتعجب وبهجة للناي الجديد..لعل يذهب عنه من أشغل فكره..فجأة سمع صوتا جميلا نحيلا رقيقا يخاطبه
-أعطني الناي و غني..فالغنى سر الوجود
و أنين الناي يبقى ..بعد أن يفنى الوجود
ورد توقف! و ظل ينصت للصوت بكل حذر لعله يرصد مصدر الصوت , لقد أصيب بازدواجية الشعور ما بين شعور يتملكه بالإعجاب بالصوت و الاستمتاع به وانتياب بالخوف كون المصدر مجهول فرد هلعا
-من أنت؟!
أجاب صاحب الصوت المبهم
-من أنت؟!
-أنا ورد..و أنت؟!
-أعلم ذلك!!
تبسمَّت فتعجب
-كيف تعرفيني ؟!
-رغبت بشراء وردِِ فدلوني على محلك فأعجبت بك
اندهش وقال:ما سر كل ذا؟!
-لست أدري عيناي نظرت إلى عينيك فكانت عيناك نهري آمالي..
.. انتهى الحلم.. استيقظ فزعا من منامه..فضم وسادته و أغمض جفنيه و ظل يردد إلى أن نام:
"إياك أن تلتقي يوما بامرأة
إياك إياك أن تغري الحبيبات".

حصلت هذه القصة على المركز الأول في مسابقة"فارس القصة" بمركز الإبداعات الأدبية التابع لأدبي الباحة لعام 1435هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءات في "باي باي لندن" لـغازي القصيبي

التفاحة الفاسدة*

شمس الموتى