سباق التين

 



      في أيام طفولتنا..ذات يوم و في الصباح الباكر..ألتقيت بها ..و ذهبنا لنحصد "التين",ذهبنا إلى حيث مبتغانا..جهزنا أداوت القطاف..أخذنا نفسا عميقا كإبتداء للسباق..كلانا زفر و تبسم و صادف تبسمنا ظهور قرص الشمس..بدأنا بالمسابقة كلُ له  "سَفَطه"..نقطف التين بكل جد و أول من يملي "سفطه" يفوز..كانت يداي خفيفتان بينما يدها عرقلها الشوك..أخذت ما حصدت في السَفط فوضعته في سفطها..كانت تشكو من الشوك في إبهامها!! تبسمت و قلت!!
-عضة الابهام ما أدري ندم أو ملام؟!!
اقتربت منها  فورا و هممت أن أستخرج الشوك من يدها..تبسمت و قالت
-لا..شكرا..سأخرجها بنفسي..أكمل أنت القطف و سأعود للقطف حال إنتهائي..

عندما إرتفعت الشمس قدر رمح.. إمتلأ  سفطي..و أُرهِقنا.. أخذا أسفاطنا و مشينا إلى بطن الوادي..أيادينا أنهكها وزن التين فققرنا أن نستريح تحت ظل تفاحة..
بدأنا نتجاذب الحديث و الفكاهة...فيما قالت لي :
-تذكرت!!..لقد قلت لي أن هذه التفاحة لها قصة عجيبة ستخبرني بها!!
رفعت حاجبي سريعا  و قلت:
-حسنا.. أخبرَني أبي أنه عندما مرض جدي رحمه الله  اضطر أبي أن يسافر بجدي إلى الطائف  ليتلقى جدي العلاج اللازم هناك لأنه لم يك في ذلك الوقت أي مستشفى هنا..المهم !!..عندما وصلا للمستشفى لازم جدي السرير الأبيض و أبي رافقه.... و في ذات يوم أعطى أبي  جدي تفاحة..فلما أكلها جمع بذورها و أخذ بطرف عمامةٍ رثةٍ  وصرّ تلك الحبوب فيها و قال لأبي:
-يا ولدي ..إن كتب لنا الله عمرا و تشافيت سنرجع للقرية و نغرس هذه البذور.. لم يتحقق ما تمناه جدي حيث توفي هناك.  ثم عاد أبي إلى إخوته الثلاث و أمهِ..كان هو أكبر إخوته..فلزم عليه أن يقوم بمقام والده في الرعاية و توفير الكساء و الغذاء.
 بعد وفاة جدي  بسنة استخرج أبي عمامة من "السحارية" ليعطيها لأخيه الأصغر حتى يذهب للمدرسة..نفض العمامة و إذ بتلك العُقدة في طرفها..فكها و إذ بتلك الحبوب لا تزال تنتظر حضن المدر لها!! عندها تذكر أبي ما قاله جدي بما سيفعله بتلك البذور..فأخذ أبي تلك البذور بكل بر و بكل شجن  وغرسها..كانت هذه قصة هذه التفاحة!!
هزت برأسها قليلا و قالت:
-أممم..قصة جميلة!!
-نعم..بل محزنة !!
مسكت بيدها المحمرة من أثر الشوك و عيني بعينيها و أخفضت صوتي  وقلت بكل هدوء:
-أتحبيني؟!
إرتفع ظهرها و أجحظت عيناها وقالت
-أتريدهم أن يقتلوني؟!
عم الصمت في الريح.. السكون يأسر أجنحة العصافير..الشمس توقفت عن الزوال...نفَسِي أصبح قصيرا و سريعا..
ظللت أتأمل كلماتها الحادة.. كل منا طأطأ رأسه..مددت رجلي..و توسدت يداي أما هي فجلست متقرفصة و يديها مبسوطتان متباعدة الأصابع فالشوك لا يزال يؤذيها!.. و مرفقيها على ركبتيها.
بعد لحظات السكون
قالت:
-ربما أخذنا كفايتنا من الراحة لننهض!!
بعد هذه الجملة بدأت التغاريد من حولنا تصدح  و ترتدت من الجبال  و الهبوب يداعب شعرها

نهضت  و حملنا "أسفاطنا" إلى البيت..وصلت لمنزلي مرهقا ووضعت التين في الظل   و هي ذهبت لمنزلهم. و أنا أردد بداخلي.."لا نلتقي إلا وداعا..عند منحدرات الطرق"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءات في "باي باي لندن" لـغازي القصيبي

التفاحة الفاسدة*

شمس الموتى