الحُمَّى و رواية المغزول*

         ماذا يعني أن تُصاب بالحمى؟!..يعني أن تستيقظ من نومك في أي وقت . و تنام بضع ساعات . الحمى التي أحاطت بمرزوق و اتخذت من عظامه سكنا لها . أثقلت عليه رأسه و ضيقت حنجرته و أفقدته شهيته. صارعها أكثر من أسبوعين , و  لم تتمكن منه إلا بعد مغيب شمس يوم الخميس , حاربها بالماء لعلها تنطفئ , ظلت جمرا متوقدا في أحشائه و عضلاته. حتى بعد أن شرب من مرق الدجاج الممزوجة بالبصل و الحَوار , لم تثنيها كل الوصفات الشعبية العقاقير...يرفض أن يذهب للمستشفى . فهو يراه بيرق استسلام , و إعلان خسارته في هذا الصراع .. أحب هذا النزال بينه وبين الحمى , لأنه استشعر المصداقية في التحكيم ....نام بعد وجبة أكلها مع أسرته حرص على البصل و الجرجير . . ظل يأكل على مهلٍ خافيا كافة تفاصيل المرض أمام أمه و لكن بين الحين والآخر, تسأل أمه ( يتعبك شيء؟!).. يجيب حامدا لله و نافيا معاناته ..هو هكذا..يخفي أشلاءه و أثر العراك أمام الناس.. و يبدأ الصراع بعد أن يغلق غرفته و يجلس بمفردة .

      نام بعد أن هدأت الحمى قليلا.. بعد ثلاث ساعات استيقظ . نظر لساعة جواله عله نام كثيراو لكن من به حمى لا يعرف النوم الطويل.. فتح رسائل الأصدقاء.. بعثت فيه النشاط رسالة من وليد . يسأله عن لمعان ساطع في الجنوب الشرقي . مرزوق يحب النجوم و لديه علم بالنجوم لا بأس به . مسح وجهه بيده اليمنى حمد الله على إحياءه بعد مماته لبس فروته و صعد للسطح ليرى ما هو هذا اللمعان و بباله عدة توقعات و لكن كان أرجحها أنه لمعان الشعرى اليمانية . نظر في الفلك الصافي و القمر يتوسط السماء نظر ناحية الجنوب الشرقي..ألقى تحيته على الشعرى و ابتسم... ثم مضى إلى هاتفه ليخبره بشأن ما شاهده وليد ..

       أكمل ليلته بين  برفوف مكتبته كان يقرأ في الكتب التي تشرح المرض و المريض,, و تجعل من المريض عصاميا يثير النقع في ميادين المرض.. لم يشعر بقوة مثل ما شعر بها حين قرأ رواية المغزول . كانت رواية أشبه بدرس يدرس استراتيجة المقاومة و الدفاع , و تعليمك أساليب التعامل مع المرض و دراسة كافة الخطط لمواجهته ..الموت كان قائد المعركة في حياة المغزول و كان خصمه الذي حاربه أكثر من ثلاث عقود..و أي شجاعة وصل لها المغزول زاهر ليكون مجابها للموت و ليس للمرض..كان يحارب بالأمل , كان يحارب بأصدقائه و يحارب بالمحبة و لم يرَ شيئا يغيظ المرض أكثر من ابتسامةِ مُحَيا المريض. حاربه بقطرات المحاليل التي تنسكب في وريده , حاربها برواية كتبها ..أسمها "المغزول"!.

_______________
نُشرت بصحيفة أنباء الباحة 20-نوفمبر-2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءات في "باي باي لندن" لـغازي القصيبي

التفاحة الفاسدة*

شمس الموتى