العجوز الفقيرة وحش القرية*



يُحكى أن أمًّا كان طفلها يلهو حولها بكل حرية, دون خوف, دون قيود, حتى الليل, لا تخافُ دوابَّه. كانت هذه حياتها, تمارسها بشكل طبيعي, حتى صادفتِ العجوزَ الشمطاء, كانت مصادفة مشئومة, فبعد ذاك اللقاء تغيرت حياة الأم و طفلها.
ففي آخر الليل قالت الشمطاء للأم إن  التماسيح جائعة تطمع في أكل ابنك .آمنت الأم بالنصيحة و سلمت .فتكرار النصيحة و تحريك العاطفة كان له تأثير عصا موسى على قومِ فرعون.
ظلت الأم سنينا على هذا الحل , لا تخرج من البيت , ولا تهمل ابنها من حضنها و حتى طارق الباب الذي يحمل بيده صحفة طعام  ترتعب منه , لا معنى للسلام والمحبة في حياتها , تظن بالجميع سوءا .
كبُر الفتى , و توفيت والدته . و أصبح قادرا على الدفاع عن نفسه من أي خطر , و لكن سنوات الرعب التي كانت أمه تعيّشه بها و تربيه على الخوف و الكره جعلت منه عدائيا متشائما , يحاول جاهدا ولو بالعنف أن يجعل العالم مثله في كل شيء  فالاختلاف يسبب له أزمة أمنية و ويشعر بأنه مستهدف في كل شيء .
يُقال إنه تزوج بفتاة غنية بعلمها , ذات يوم سألها سؤالا عابرا عن نصيحة تحمد الله أنها لم تعمل بها و أطالت التأمل و قالت: نصيحة لعجوز كانت تحذر أمي من التماسيح التي تأكل الأطفال فكانت أمي ترد : التماسيح لا تعيش في الصحراء.
اندهش الزوج, وظل يصف للزوجة وجه العجوز , و مع كل وصف تجيبه بنعم.
نقول في حال هذه القصة : إن تقييد الإنسان بقيود أسلافه لن يقدمه نحو التطور و الإبداع , لأنه محال أن يُبدع من نشأ على تكرار الأشياء من حوله و عدم تطويرها , فالإبداع يعني التطور  و التجديد و مُحال أن يُبدع من يكره أحرف الاستفهام خاصة ( لماذا) , فالبحث عن المعرفة يبدأ بالسؤال.
و أنت عزيزي القارئ إما أن تكون قيمتك في مجموعة من الأفكار أو أن تكون قيمتك في مجموع القطيع . و إن لم تحلِّل وتناقش و تسأل فتزوج بامرأة مشابهة لهذه الزوجة . لعلك تجد الحقيقة . و الحقيقة تقول : إن العجوز كانت تخوف أهل الحي حتى يركنوا لبيوتهم , مما يتيح لها حرية أخذ الطعام من القمامة!.

*نُشرت هذه القصة في المجلة العربية عدد 480- محرم 1438هـ / اكتوبر 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءات في "باي باي لندن" لـغازي القصيبي

التفاحة الفاسدة*

شمس الموتى